سورة الرعد - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرعد)


        


{الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآَبٍ (29)}
[28] {الذين ءَامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ الله أَلا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب} [29] {الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات طوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَئَابٍ} اعلم أن قوله: {الذين آمنوا} بدل من قوله: {من أناب} قال ابن عباس: يريد إذا سمعوا القرآن خشعت قلوبهم واطمأنت.
فإن قيل: أليس أنه تعالى قال في سورة الأنفال: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} [الأنفال: 2] والوجل ضد الاطمئنان، فكيف وصفهم هاهنا بالاطمئنان؟ والجواب من وجوه: الأول، أنهم إذا ذكروا العقوبات ولم يأمنوا من أن يقدموا على المعاصي فهناك وصفهم بالوجل، وإذا ذكروا وعده بالثواب والرحمة، سكنت قلوبهم إلى ذلك، وأحد الأمرين لا ينافي الآخر، لأن الوجل هو بذكر العقاب والطمأنينة بذكر الثواب، ويوجد الوجل في حال فكرهم في المعاصي، وتوجد الطمأنينة عند اشتغالهم بالطاعات.
الثاني: أن المراد أن علمهم بكون القرآن معجزاً يوجب حصول الطمأنينة لهم في كون محمد صلى الله عليه وسلم نبياً حقاً من عند الله.
أما شكهم في أنهم أتوا بالطاعات على سبيل التمام والكمال فيوجب حصول الوجل في قلوبهم.
الثالث: أنه حصلت في قلوبهم الطمأنينة في أن الله تعالى صادق في وعده ووعيده، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم صادق في كل ما أخبر عنه، إلا أنه حصل الوجل والخوف في قلوبهم أنهم هل أتوا بالطاعة الموجبة للثواب أم لا، وهل احترزوا عن المعصية الموجبة للعقاب أم لا.
واعلم أن لنا في قوله: {ألا بذكر تطمئن القلوب} أبحاثاً دقيقة غامضة وهي من وجوه:
الوجه الأول: أن الموجودات على ثلاثة أقسام: مؤثر لا يتأثر، ومتأثر لا يؤثر، وموجود يؤثر في شيء ويتأثر عن شيء، فالمؤثر الذي لا يتأثر هو الله سبحانه وتعالى، والمتأثر الذي لا يؤثر هو الجسم، فإنه ذات قابلة للصفات المختلفة والآثار المتنافية، وليس له خاصية إلا القبول فقط.
وأما الموجود الذي يؤثر تارة ويتأثر أخرى، فهي الموجودات الروحانية، وذلك لأنها إذا توجهت إلى الحضرة الإلهية صارت قابلة للآثار الفائضة عن مشيئة الله تعالى وقدرته وتكوينه وإيجاده وإذا توجهت إلى عالم الأجسام اشتقات إلى التصرف فيها، لأن عالم الأرواح مدبر لعالم الأجسام.
وإذا عرفت هذا فالقلب كلما توجه إلى مطالعة عالم الأجسام حصل فيه الاضطراب والقلق والميل الشديد إلى الاستيلاء عليها والتصرف فيها، أما إذا توجه القلب إلى مطالعة الحضرة الإلهية حصل فيه أنوار الصمدية والأضواء الإلهية، فهناك يكون ساكناً فلهذا السبب قال: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.
الوجه الثاني: أن القلب كلما وصل إلى شيء فإنه يطلب الانتقال منه إلى حالة أخرى أشرف منها، لأنه لا سعادة في عالم الأجسام إلا وفوقها مرتبة أخرى في اللذة والغبطة.
أما إذا انتهى القلب والعقل إلى الاستسعاد بالمعارف الإلهية والأضواء الصمدية بقي واستقر فلم يقدر على الانتقال منه ألبتة، لأنه ليس هناك درجة أخرى في السعادة أعلى منها وأكمل؛ فلهذا المعنى قال: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.
والوجه الثالث: في تفسير هذه الكلمة أن الإكسير إذا وقعت منه ذرة على الجسم النحاسي انقلب ذهباً باقياً على كر الدهور والأزمان، صابراً على الذوبان الحاصل بالنار، فإكسير جلال الله تعالى إذا وقع في القلب أولى أن يقلبه جوهراً باقياً صافياً نورانياً لا يقبل التغيير والتبدل، فلهذا قال: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.
ثم قال تعالى: {الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب} وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في تفسير كلمة {طوبى} ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنها اسم شجرة في الجنة، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «طوبى شجرة في الجنة غرسها الله بيده تنبت الحلي والحلل وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة»، وحكى أبو بكر الأصم رضي الله عنه: أن أصل هذه الشجرة في دار النبي صلى الله عليه وسلم وفي دار كل مؤمن منها غصن.
والقول الثاني: وهو قول أهل اللغة إن طوبى مصدر من طاب، كبشرى وزلفى، ومعنى طوبى لك، أصبت طيباً، ثم اختلفوا على وجوه: فقيل: فرح وقرة عين لهم. عن ابن عباس رضي الله عنهما وقيل: نعم ما لهم عن عكرمة، وقيل غبطة لهم عن الضحاك. وقيل: حسنى لهم عن قتادة. وقيل: خير وكرامة عن أبي بكر الأصم، وقيل: العيش الطيب لهم عن الزجاج.
واعلم أن المعاني متقاربة والتفاوت يقرب من أن يكون في اللفظ. والحاصل أنه مبالغة في نيل الطيبات ويدخل فيه جميع اللذات، وتفسيره أن أطيب الأشياء في كل الأمور حاصل لهم.
والقول الثالث: أن هذه اللفظة ليست عربية، ثم اختلفوا فقال بعضهم: طوبى اسم الجنة بالحبشية، وقيل اسم الجنة بالهندية. وقيل البستان بالهندية، وهذا القول ضعيف، لأنه ليس في القرآن إلا العربي لا سيما واشتقاق هذا اللفظ من اللغة العربية ظاهر.
المسألة الثانية: قال صاحب الكشاف: {الذين آمنوا} مبتدأ و{طوبى لهم} خبره، معنى طوبى لك أي أصبت طيباً، ومحلها النصب أو الرفع، كقولك طيباً لك وطيب لك وسلاماً لك وسلام لك، والقراءة في قوله: {وحسن مآب} بالرفع والنصب تدلك على محلها، وقرأ مكوزة الأعرابي (طيب لهم).
أما قوله: {وحسن مآب} فالمراد حسن المرجع والمقر وكل ذلك وعد من الله بأعظم النعيم ترغيباً في طاعته وتحذيراً عن المعصية.


{كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30)}
[30] {كَذَلِكَ أرسلناك فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ لِتَتْلُوَاْ عليْهِمُ الذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بالرحمن قُلْ هُوَ رَبِّى لآ إله إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} اعلم أن الكاف في {كذلك} للتشبيه فقيل وجه التشبيه أرسلناك كما أرسلنا الأنبياء قبلك في أمة قد خلت من قبلها أمم، وهو قول ابن عباس والحسن وقتادة، وقيل: كما أرسلنا إلى أمم وأعطيناهم كتباً تتلى عليهم، كذلك أعطيناك هذا الكتاب وأنت تتلوه عليهم فلماذا اقترحوا غيره، وقال صاحب الكشاف: {كذلك أرسلناك} أي مثل ذلك الإرسال {أرسلناك} يعني أرسلناك إرسالاً له شأن وفضل على سائر الإرسالات. ثم فسر كيف أرسله فقال: {في أمة قد خلت من قبلها أمم} أي أرسلناك في أمة قد تقدمتها أمم فهي آخر الأمم وأنت آخر الأنبياء.
أما قوله: {لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك} فالمراد: لتقرأ عليهم الكتاب العظيم الذي أوحينا إليك: {وهم يكفرون بالرحمن} أي وحال هؤلاء أنهم يكفرون بالرحمن الذي رحمته وسعت كل شيء وما بهم من نعمة فمنه، وكفروا بنعمته في إرسال مثلك إليهم وإنزال هذا القرآن المعجز عليهم {قل هو ربي} الواحد المتعالي عن الشركاء: {لا إله إلا هو عليه توكلت} في نصرتي عليكم {وإليه متاب} فيعينني على مصابرتكم ومجاهدتكم قيل: نزل قوله: {وهم يكفرون بالرحمن} في عبد الله بن أمية المخزومي وكان يقول أما الله فنعرفه، وأما الرحمن فلا نعرفه، إلا صاحب اليمامة يعنون مسيلمة الكذاب فقال تعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسني} [الإسراء: 110] وكقوله: {وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن} [الفرقان: 60] وقيل: إنه عليه السلام حين صالح قريشاً من الحديبية كتب: «هذا ما صالح عليه محمد رسول الله» فقال المشركون: إن كنت رسول الله وقد قاتلناك فقد ظلمنا. ولكن اكتب، هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله، فكتب كذلك، ولما كتب في الكتاب: {بسم الله الرحمن الرحيم} قالوا: أما الرحمن فلا نعرفه، وكانوا يكتبون باسمك اللهم، فقال عليه السلام: «اكتبوا كما تريدون».
واعلم أن قوله: {وهم يكفرون بالرحمن} إذا حملناه على هاتين الروايتين كان معناه أنهم كفروا بإطلاق هذا الإسم على الله تعالى، لا أنهم كفروا بالله تعالى.
وقال آخرون: بل كفروا بالله إما جحداً له وإما لاثباتهم الشركاء معه.
قال القاضي: وهذا القول أليق بالظاهر، لأن قوله تعالى: {وهم يكفرون بالرحمن} يقتضي أنهم كفروا بالله وهو المفهوم من الرحمن، وليس المفهوم من الاسم كما لو قال قائل: كفروا بمحمد وكذبوا به لكان المفهوم هو، دون اسمه.


{وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31)}
[31] {وَلَوْ أَنَّ قُرْءَانًا سًيِّرَتْ بِهِ الجبال أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرض أَوْ كُلِّمَ بِهِ الموتى بَل لِّلَّهِ الأمر جَمِيعًا أَفَلَمْ يَاْيْئَسِ الذين ءَامنُواْ أَن لَّوْ يَشَآءُ الله لَهَدَى الناس جَمِيعًا وَلاَ يَزَالُ الذين كَفُرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حتى يأَتِىَ وَعْدُ الله إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الميعاد} اعلم أنه روي أن أهل مكة قعدوا في فناء مكة، فأتاهم الرسول صلى الله عليه وسلم وعرض الإسلام عليهم، فقال له عبد الله بن أمية المخزومي: سير لنا جبال مكة حتى ينفسخ المكان علينا واجعل لنا فيها أنهاراً نزرع فيها، أو أَحْي لنا بعض أمواتنا لنسألهم أحق ما تقول أو بطال، فقد كان عيسى يحيى الموتى، أو سخر لنا الريح حتى نركبها ونسير في البلاد فقد كانت الريح مسخرة لسليمان فلست بأهون على ربك من سليمان، فنزل قوله: {ولو أن قرآناً سيرت به الجبال} أي من أماكنها {أو قطعت به الأرض} أي شققت فجعلت أنهاراً وعيوناً {أو كلم به الموتى} لكان هو هذا القرآن الذي أنزلناه عليك. وحذف جواب لو لكونه معلوماً، وقال الزجاج: المحذوف هو أنه {لو أن قرآناً سيرت به الجبال} وكذا وكذا لما آمنوا به كقوله: {ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى} [الأنعام: 111].
ثم قال تعالى: {بل لله الأمر جميعاً} يعني إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل، وليس لأحد أن يتحكم عليه في أفعاله وأحكامه. ثم قال تعالى: {أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً} وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: في قوله: {أفلم ييأس} قولان:
القول الأول: أفلم يعلموا وعلى هذا التقدير ففيه وجهان:
الوجه الأول: {ييأس} يعلم في لغة النخع وهذا قول أكثر المفسرين مثل مجاهد والحسن وقتادة.
واحتجوا عليه بقول الشاعر:
ألم ييأس الأقوام أني أنا ابنه *** وإن كنت عن أرض العشيرة نائياً
وأنشد أبو عبيدة:
أقول لهم بالشعب إذ يأسرونني *** إلم تيأسوا أني ابن فارس زهدم
أي ألم تعلموا.
وقال الكسائي: ما وجدت العرب تقول يئست بمعنى علمت ألبته.
والوجه الثاني: ما روي أن علياً وابن عباس كانا يقرآن: {أفلم يأس الذين آمنوا} فقيل لابن عباس أفلم ييأس فقال: أظن أن الكاتب كتبها وهو ناعس أنه كان في الخط يأس فزاد الكاتب سنة واحدة فصار ييأس فقرئ ييأس وهذا القول بعيد جداً لأنه يقتضي كون القرآن محلاً للتحريف والتصحيف وذلك يخرجه عن كونه حجة قال صاحب الكشاف: ما هذا القول والله إلا فرية بلا مرية.
والقول الثاني: قال الزجاج: المعنى أو يئس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء لأن الله لو شاء لهدى الناس جميعاً. وتقريره أن العلم بأن الشيء لا يكون يوجب اليأس من كونه والملازمة توجب حسن المجاز، فلهذا السبب حسن إطلاق لفظ اليأس لإرادة العلم.
المسألة الثانية: احتج أصحابنا بقوله: {أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً} وكلمة لو تفيد انتقاء الشيء لانتفاء غيره. والمعنى: أنه تعالى ما شاء هداية جميع الناس، والمعتزلة تارة يحملون هذه المشيئة على مشيئة الإلجاء، وتارة يحملون الهداية على الهداية إلى طريق الجنة، وفيهم من يجري الكلام على الظاهر، ويقول إنه تعالى ما شاء هداية جميع الناس لأنه ما شاء هداية الأطفال والمجانين فلا يكون شائياً لهداية جميع الناس.
والكلام في هذه المسألة قد سبق مراراً.
أما قوله تعالى: {ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريباً من دارهم} ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: قوله: {الذين كفروا} فيه قولان:
القول الأول: قيل: أراد به جميع الكفار لأن الوقائع الشديدة التي وقعت لبعض الكفار من القتل والسبي أوجب حصول الغم في قلب الكل، وقيل: أراد بعض الكفار وهم جماعة معينون والألف واللام في لفظ الكفار للمعهود السابق هو ذلك الجمع المعين.
المسألة الثانية: في الآية وجهان.
الأول: ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا من كفرهم وسوء أعمالهم قارعة داهية تقرعهم بما يحل الله بهم في كل وقت من صنوف البلايا والمصائب في نفوسهم وأولادهم وأموالهم، أو تحل القارعة قريباً منهم، فيفزعون ويضطربون ويتطاير إليهم شرارها، ويتعدى إليهم شرورها حتى يأتي وعد الله وهو موتهم أو القيامة.
والقول الثاني: ولا يزال كفار مكة تصيبهم بما صنعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم من العداوة والتكذيب قارعة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يزال يبعث السرايا فتغير حول مكة وتختطف منهم وتصيب مواشيهم، أو تحل أنت يا محمد قريباً من دارهم بجيشك كما حل بالحديبية حتى يأتي وعد الله وهو فتح مكة، وكان الله قد وعده ذلك.
ثم قال: {إن الله لا يخلف الميعاد} والغرض منه تقوية قلب الرسول صلى الله عليه وسلم وإزالة الحزن عنه.
قال القاضي: وهذا يدل على بطلان قول من يجوز الخلف على الله تعالى في ميعاده، وهذه الآية وإن كانت واردة في حق الكفار إلا إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، إذ بعمومه يتناول كل وعيد ورد في حق الفساق.
وجوابنا: أن الخلف غير، وتخصيص العموم غير، ونحن لا نقول بالخلف، ولكنا نخصص عمومات الوعيد بالآيات الدالة على العفو.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10